Hmida Ghorma

الأستاذ حميده غرمه رحمه الله
(من مواليد 1916)

سِيدي الشيخ أحميدة غرمة رحمه الله. رجلٌ ماجدٌ من رعيل الأصفياء الراسخين في معابر التعليم القرآني، والتعليم التربوي … محطات مُشْرِقَةٌ لأعلام البلاد … بقلم : د. العيد بوده
أقولُ مُتَصَرِّفا في البيت الأخير من شعر الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله
ومِنَّا لم يَزَلْ في كَلِّ عَصْرٍ … رجال للرجال هم الرجال
لَهُمْ هِمَمٌ سَمَتْ فوق الثُّرَيَّا … حُمَاةُ الدين دَأْبُهُمُ النِّضال
فكم لي فيهم من يوم مَجْدٍ … به افتخر الزمان ولا يزال
إي نعم. هكذا هم الأخيار والعظماء. يَعْبُرُون الحياة الفانية، فيتركون أثرا بازغا نوره. تُشْرِق به الذكريات مجدا وإكبارا، وتُرَدِّدُه الأجيال وفاءً واعترافا. وهذا ما أجدني ملتزما به وأنا أتَشَرَّفُ بتسجيل سطورٍ من وفاء لرجل لامع في ضمير السُّمُو، والنور، والعطاء. إذ ماتزال بصماته النَّيِّرة في معابر التعليم القرآني والتربوي الذي استغرق من عمره مايزيد عن أربعين سنة. ماثلة في الألسن والعقول. إنه :
سيدي الشيخ أحميدة بن محمد بن عبد القادر غرمة، من مواليد 1916م، بقصر العرب وسط مدينة عين صالح بإقليم تيدكلت. حيث تلقَّى تعليمه القرآني واللغوي على يد أخواله الكرام. بكُتَّاب آل المغربي، ونخص بالذكر: الشيخ أحمد المغربي، والشيخ عبد الرحمان المغربي، والشيخ قدُّور المغربي. رحمهم الله جميعا. ولم يكتف شيخنا الراحل بتتلمذه على يد هؤلاء الأفاضل. وإنما قاده شغفه وحرصه الكبير على التحصيل إلى مُجَالسة الشيوخ والعلماء ممن كانوا يزورون عين صالح خلال رحلاتهم العلمية. من قائمة الشيخ الحاج محمد عبد القادر بلعالم. أصيل مدينة أقبلي المعمورة. وهو والد فضيلة الشيخ محمد باي بلعالم رحمهما الله. حيث كان الشيخ غرمة لصيق الصلة بمجلس الحاج بلعالم؛ فاستفاد من دروسه الدينية، كما حفظ بعض قصائده المفيدة على غرار (منظومة الوِلدان) التي تضمَّنَت جملة من الأدعية الصالحة للأبناء، وكذا منظومته الموسومة بـ:(حال أهل الوقت) المشتملة على وصف حال أهل عصره وما عايشوه من متغيرات. وقد توثَّقت أواصر المحبة بين الشيخين، فقام الشيخ غرمة بتسمية ابنه البكر باسم شيخه بلعالم تيمُّنَاً بعلمه، فصار الابن (الحاج الطالب محمد عبد القادر غرمة) بإذن الله أستاذا قديرا ورجلا فاضلا. تخرَّجت على يديه أجيال طيبة بمدينة عين صالح العامرة. وإنني أشكره جزيلا على ما أفادني به حول سيرة والده التي أنقلها عبر هذه السطور.
وعطفا على ماسبق فقد حرص شيخنا الراحل على مجالسة الشيخ الطالب عبد القادر دادَّة أصيل مدينة أولف، والشيخ ولد سيدي جعفر أصيل إقليم توات، والشيخ محمد بن مالك أصيل أقبلي. الذي افتتح مدرسته الدينية بعين صالح عام 1953م. ثم اعتمدت زاوية باسمه فيما بعد.
انتقل سماحة الشيخ غرمة من مسقط رأسه. كغيره من أفذاذ عصره الذين مشوا في مناكب الأرض. ابتغاء الخير والرزق والحسن. فهبط تيماسينين (الاسم القديم لبلدية برج عمر إدريس/إليزي) واستهل بها مسيرته التعليمية للقرآن الكريم بداية الأربعينات. حيث جمعته بجدنا الراحل سيدي الشيخ الإمام المجاهد محمد بوده رحمه الله وشائج المودة، والتقدير، والزمالة. حيث كانا يُعَلِّمَان السَّاكنة القرآن الكريم، وأمور الدين. كما تمتَّعا بعضوية أول مجلس بلدي ترأسه المجاهد الحاج كادي أحمد المدعو التيلامو رحمه الله. هذا الأخير الذي كان ساعي الخير في التحاق أستاذنا الموقر غرمة بسلك التعليم التربوي. بعد أن أشرف على تنصيبه مُمَرّنَاً سنة 1964م بتيماسينين، ثم تم تحويله بعد عامين إلى مدرسة تاغزوت بوادي سوف التي مكث بها خمس سنوات. زار خلالها بيت الله الحرام حاجا سنة 1969م. قبل أن يتم تحويله إلى مدرسة عين البيضاء بعاصمة ولاية الواحات (ورقلة). التي اشتغل بها عاما كاملا. تحوَّل على إثره للعمل بمسقط رأسه عين صالح التي تم تكليفه فيها بإدارة المكتبة المدرسية عقب اعتماد نظام المدرسة الأساسية في الجزائر.
تجدر الإشارة إلى استفادة فضيلته من تكوين تأهيلي سنة 1965م بمدينة عنابة. في ثانوية القديس أوغيستين. ثم تمت ترقيته إلى مُمَرِّن مُرَسَّم سنة 1974م. وقد أحيل على التقاعد في النصف الأول من عقد التسعينات بعد عطاءات وهاجة في مضمار التنوير والتعليم والتنشئة الصالحة.
وأقول ختاما إنني ما زلتُ أذكُرُ قولة محفوظة في خزائن الذاكرة. قالها الحاج حابيرش أحمد رحمه الله في جنازة سيدي الشيخ غرمة. إذ قال : “الطالب الغرمة لم يفقده أهله فحسب. بل فقدته تيماسينين قاطبة.” إي والله فهو فقيدنا جميعا. إن هو إلا رجل فاضل كريم. طيَّب الله ثراه، وبارك في ذريته، وجزاه الجزاء الأوفى نظير ما عَلَّم ونوَّر وكان رجلا صالحا… رحمه الله ورحم موتانا جميعا.


بقلم الدكتور/ العيد بوده

18/08/2022

Related Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Ecoliers Tidikelt