Abdelkader Elghorma

الأستاذ عبد القادر غرمه
مدير متوسطة متقاعد — متوفي

الأستاذ عبد القادر غرمه 
رحمة الله علية

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد عليه اشرف الصلاة وأزكى
التسليم يقول سبحانه وتعالى ﴿  تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق
الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ﴾

ها نحن في لحظة فارقة نودع فيها شيخا واستاذا ومعلما كان بحق عَلَمًا في مسيرة مليئة
بالتضحيات الجسيمة وبالمكاسب التعليمية المشهودة، ذلكم هو الاستاذالمرحوم الشيخ محمد
عبد القادر غرمة الذي نودعه اليوم وفي نفس كل واحد منا حسرة على هذا الفراق المؤلم.
لقد واكب الفقيد العديد من المراحل التعليمية التي قطعتها ولاية عين صالح منذ الستينات  فأثر
وتأثر بأحداثها إذ كانت رحاب الحركة التعليمية في التيديكلت   هي بداية تألق المرحوم ،
ويشهد كل الرفاق الذين قاسموه المسيرة تميزه بالصبر والحنكة في التعليم والتدريس، وبقدر
ما كان للفقيد حضوره وتفاعله مع السياقات التي آلت إليها الحركة التعليمية في ولاية
عين صالح ، بقدر ما كان حرصه على نجاح تمدرس ابناء بلدته عين صالح للالتحاق
بالركب لوضع بصماتهم في المستقبل.

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

كم هي قاسية لحظات الوداع والفراق ، التي تسجل وتختزن في القلب والذاكرة ، وكم نشعر
بالحزن وفداحة الخسارة والفجيعة ، ونختنق بالدموع ، ونحن نودع واحداً من جيل
المربين والأساتذة الافاضل المؤمنين بالرسالة التربوية والربانية العظيمة ، الناكرين للذات ،
من ذلك الزمن الجميل البعيد ، أستاذنا جميعاً ، المربي والاستاذ المرحوم غرمة
محمد عبد القادر، الذي فارق الدنيا، بعد مسيرة عطاء عريضة ، ومشوارحياة في سلك العمل
التربوي والاجتماعي ، تاركاً سيرة عطرة ، وذكرى طيبة ، وميراثاً من القيم  والمثل النبيلة

الله اكبر الله اكبر الله اكبر .

فيا أيها الانسان الطيب، والمعلم المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعملك ومسيرتك
 الدعوية، يعز علينا فراقك ، في وقت نحتاج فيه الى امثالك من الرجال الأوفياء الصادقين .
 ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدمته من
علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل شباب ورجال المستقبل ، وعلمتنا من أخلاق وقيم فاضلة ،
وغرست فينا حب العلم والمعرفة ، ونميت في اعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء .
ويا لسعادتي، وشرف كبير لي، انني كنت واحداً من تلاميذك فكنت لنا اخا ومرشدا ونصوحا
عرفنا الفقيد معلماً هادئاً ، متسامحاً ، راضياً ، قنوعاً ، ملتزماً بانسانيته كما هو ملتزم بدينه
وواجباته الدينية . حمل الامانة باخلاص ، واعطى للحياة والناس جهده وخبرته
وتجربته وحبه لهم . تمتع بخصال ومزايا حميدة جلها الايمان ودماثة الخلق وحسن المعشر
وطيبة القلب ، متميزاً بالتواضع الذي زاده احتراماً وتقديراً ومحبة في قلوب الناس والطلاب
وكل من عرفه والتقى به. وهل هناك ثروة يبقيها الانسان بعد موته أكثر من محبة الناس ..؟!

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

أكثر من اربعون عاما امضاها في التربية ، التي شرفها وتشرفت به ، فكان رسول علم
ومعرفة ، وجدول عطاء وتضحية ، ونعم المعلم والامام والأب الحنون والأخ الودود
والصديق الصدوق . فكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف
 والحنان وعمل الخير وسمو الاخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح
واعطى كل ما لديه بلا حدود ، ودون كلل أو ملل ، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن
وأهم الرسالات ، رسالة العلم والتربية ، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني ، التي في صلبها
بناء الانسان ، وبناء الوطن ، وبناء المجتمع لقد كان رحمه الله تعالى دائم البشاشة لا تفارقه
 الابتسامة العريضة إلا إذا زلت أقدام طلابه في مضمار العلم، فإن وجهه كان يكفهرّ ويحمرّ
غضبا ، ولكنه سرعان ما يسترجع بشاشته ودعابته  ويعود إلى سجيته ولقد كان فارسا
لا يقارع في تاريخ الجزائر المعاصر مذكرا بما فعله الاستعمار بأبناء بلدته، لا يرقى إلى
وصفه فيه أحد . وكان وهو يجول بطلابه فيه ، يكشف عن اغراضه المخبوءة بأسلوب شيق
يشعرهم بفخر واعتزاز بانتمائهم لهذا الوطن الذي ضحى من اجاه مليون ونصف المليون من
الشهداء الامجاد أما طريقته في التدريس، فكانت متميزة بتحليله للاحداث على طريقة شيخه ابو
القاسم سعد الله يقطعها بين الحين والآخر بقوله مخاطبا طلابه : “ضعوا أقلامكم واقطعوا أنفاسكم ”
 ويمضي في شروحه المستفيضة ليواصل الإملاء من جديد وهو يخطو بتؤدة عرض وطول القسم
 رافعا رأسه شامخا بأنفه  ومما عرف به رحمه الله تعالى تدقيقه في استعمال مصطلحات التاريخ ،
ذلك أنه لا يكاد لسان طالب يزل إلا وعاجله بالتقويم ذاكرا تفاصيل المصطلح  التي زل بها لسانه ،
 وقد كان معجما ضخما بل موسوعة متنقلة ومما عرف به أيضا لين جانبه مع طلابه وطالباته،
 يستوقفونه وهو في طريقه  فيقف لهم  متواضعا يجيبهم عن أسئلتهم ، ويخفض لهم جناح العلم
 من التواضع ، والابتسامة العريضة والدعابة لا تفارقانه . وكانت له رحمه الله تعالى ثقة كبيرة
في النفس ، وإباء لا يضاهى ، وكيف لا وقد وعى صدره العلم الغزير. وكان كثيرا ما يشاهد
وهو يتصفح الكتب في مكتبته ، وقد يفيض  وهو على تلك الحال في الإجابة العلمية الرصينة
مجيبا من يسأله عن مسألة من المسائل وكأنه في في مدرج الثانوية كنا نستدعيه في منظمة
المجاهدين لالقاء محاضرات بالمناسبات التاريخية فكان دائما يلبي نداء الواجب وفي كل
الظروف رحمه الله لقد غيب الموت أستاذنا ومعلمنا الحبيب الغالي، الاستاذ محمد عبد القادر
غرمة جسداً ، لكنه سيبقى في قلوبنا ما بقينا على قيد هذه الحياة ، ولن ننساه ، وسيظل
باعماله ومآثره وسيرته نبراساً وقدوة لنا .

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

نم مرتاح البال والضمير ، فقد أديت الامانة وقمت بدورك على أحسن وجه ، والرجال
الصادقون أمثالك لا يموتون . وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر قالهما
شاعر النيل حافظ ابراهيم في رثاء صديقه ومجايله أمير الشعراء احمد شوقي :
خلفت في الدنيا بياناً خالداً وتركت أجيالاً من الأبناء وغداً سيذكرك الزمان لم يزل للدهر
انصاف وحسن جزاء لكن مشيئة الله تعالى تأبى غير ذلك فتجمعنا هذه الوقفة المؤلمة في فراق
أبدي لا نملك إزاءه إلا تلاوة قوله تعالى﴿ يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية
مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي﴾. إنا لله وإنا إليه راجعون
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 ولد سنة  1945 بزاوية سيدي موسى ببرج عمر إدريس.
توفي بعين صالح بتاريخ 25 مايو 2022  عن عمر 77 عاماً على إثر وعكة صحية.
  دُفن يوم الخميس 2022/05/26 بمقبرة الجديد قصر العرب عين صالح في جوٍ مهيب.
  رحمه الله تعالى واسكنه الجنان آمين


   بقلم الأستاذ /  باخمد محمد


TDKIn­tel­lect

18/07/2022

Related Posts

Ecoliers Tidikelt